الاثنين، 15 أغسطس 2016

الخطوط العريضة لمناهج التعصب البغيضة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين .

وبـــعـــــد :

فلقد مرت أمة الإسلام عبر تاريخها بفتن عصفت بجمعها واجتالت شرائح عظيمة منهم رؤوس مروجيها ملبين بذلك لداعي الفرقة والإختلاف منتهكين عرى التوافق والإئتلاف وهي ثمرة حتمية لاعتناق عقائد ومناهج زائغة عما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة ومنهج الرعيل الأول الفاضل المُفضّل من الصحابة وخير القرون – رضوان الله عليهم - .
فتشعبت السُّبل وتعددت الطرق وصار لكل فرقةٍ منبر وخطيب يدعي أنه لأدواء الأمة طبيب ! .

وبين هؤلاء و أولئك تتباين المناهج والعقائد وتتدرج الأهواء والمشارب بين غالٍ متنطع ومُفَرطٍ مُميِّع وفريق مزج بين الدائين فكل يوم هو على مشرب ومذهب ! تحت شعارات التكيف والعصرنة تارة والجهاد وإنكار المنكر تارة أخرى وهذه من مصائب زماننا هذا يحسبون أنهم يحسنون صنعا وهم من الأخسرين أعمالا  .

وفي عرصات تلك الأمواج الهائجة المتلاطمة والظلمات الدامسة المعتمة حفظ الله تعالى طائفة من الأمة من تلك الأمراض القاتلة والأدواء المهلكة وما هذا الحفظ إلا ثمرة للتمسك بما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : (( أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد ، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ )).
وقوله عليه الصلاة والسلام : (( تركت فيكم أمرين ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنتي )) .

ولن يتبرأ أحد من هذين الأصلين ولكن الفهم لهما هو الفاصل بين الحق والضلال وبين الهدى والهوى فلا أجدر فهما ولا علما في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من فهم من آمن به وتلقى العلم منه ولازمه وصاحبه وبذل في سبيل نصرته القليل والكثير عليه الصلاة والسلام أعني بهم أصحابه رضوان الله عليهم فعند هذا الفهم تتكسر الدعاوى وتتهاوى الشعارات الموهومة المتلبسة بلباس الحق والسنة والسلف الصالح إذ حفظ الله للأمة ميراثا زاخراً غنياً جيل تلو جيل وكابر عن كابر ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين .

فلا عصمة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قداسة إلا للحق مهما على شأن كل منتحل للحق منتسب له فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه فالولاء والبراء لله وحده وعلى الحق وحده فاتباعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما أمرنا من التمسك به وحبه وموالاته إنما تبع لطاعة الله وحبه والولاء والبراء على ما أمرنا به وبينه رسوله عليه الصلاة والسلام كما قال شيخ الاسلام بن تيمة رحمه الله :
(( وليس للخلق محبة أعظم ولا أتم من محبة المؤمنين لربهم ، وليس في الوجود ما يستحق أن يحب لذاته من كل وجه إلا الله تعالى ، وكل ما يحب سواه فمحبته تبع لحبه ، فإنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام إنما يحب لأجل الله ويطاع لأجل الله ويتبع لأجل الله . كما قال تعالى :" قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ... " ))

وهذه محنة من شذ عن صراط السنة وتنكب لسبيل السلف تقديسهم لرؤوس ضلت فضلوا لضلالها يدورون حيث داروا لأنهم لم يتربوا على البحث عن الحق وتقصي الحقائق بل على التبعية العمياء لتلك الرؤوس حتى وإن خالفت الحق كل هذا يقترف باسم الحق والإسلام ! فكان حالهم كما قال الشاعر :

وهل أنا إلا من غـزية إنْ غوتْ ()()() غويتُ وإنْ تـرشـُـد غزيةُ أرشـُـدِ

وأول ما ينهار لممارسة هذا المسلك الخطير على الدين هو إماتة أو تمييع عقيدة الولاء والبراء والحب في الله والبغض فيه إذ هو الحصن الحصين والجدار المتين لصد كل ما من شأنه مزاحمة الحق وامتزاجه بالباطل أو إزاحته بالكلية لذلك ترى المنافحة المستميته عند هؤلاء عن أهل البدع المختلفين فقط لأن رأساً من رؤوسهم قد زكاه ورفع شأنه بحجة العدل وفي المقابل يطعنون في دعاة وعلماء المنهج السلفي الصحيح باسم السلفية!

لذلك فلا غرابة أن ترى وتسمع الواحد من هؤلاء وهو يردد مقولة الإمام مالك رضي الله عنه : (( كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم ))

وينقضها في ذات الوقت إن بينت خطأ من يقدسه سلوكاً ومنهجاً وينفي هذا التقديس قولا ولسانا ! .

فتجده عنئذ قد أرعد وأبرق وقعقع وفرقع وجال وصال !

فهذا هو الأجدر بوصف الحمار يحمل أسفارا .

وقد صادفت من منهج هؤلاء القوم في الرد والسرد وتقرير مناهجهم الشئ العجاب من الجهل الممزوج بالتدليس والتزوير والإيهام والتحوير لتصوير الحق باطلا والباطل حقا . فمثل هذه التربية من التعصب سرعان ما تفرز أسلوباً ومنهجاً يرتسم في حوارات ومقالات الأتباع وإن سعوا لكتمه إلا أن كل إناء بما فيه ينضح ولحن القول منهم لا بد أن يَفضح ، فكانوا قطاع على طريق الحق يسعون بتلك الأساليب المخادعة الملبسة زرع العوائق والأشراك لسالكيه وحراسه تحت شعارات العدالة واحترام العلماء ورص الصفوف وعدم تفريق الأمة وغيرها مما تنجذب إليه المسامع وكلها كلمات حق أريد بها باطل عن علم أو جهل ولا حلو بينهما فكلاهما مر .

فكان لي وقفة مع أبرز خطوط وملامح ذلك الأسلوب وتلك المناهج وقفة ستظل قاصرة عن الإحاطة بطرائق القوم لأنها متجددة الإختراع والإستحداث فهي شغلهم الشاغل ولكن أقول والله وحده المستعان :

فمن مناهج أهل التعصب المقيت :

• الإجمال والبعد عن التفصيل :
لأن التفصيل يفتق ذهن القارئ لما سيلحظة بعد برهة وجيزة من التناقض وعدم خدمة ما يقرره أو ينقله لما يرمي له من مقاله فتراه يأخذ جانبا واحدا من الموضوع ويصب محبرته في تقريرها ويرص الكلمات والسطور في إثباتها والتدليل عليها .

يحصل هذا الأسلوب أكثر ما يكون في عرض ما يعتقده هذا من تشويه لسمعة ومعتقد من يدافع عنه في محاولة لبيان ظلم وتعسف الطرف الثاني فيلجأ للإجمال دون ذكر تفصيل المآخذ التي أخذت على شيخه أو حزبه وماهيتها.

•الإغراق فيما يسمونه ( بحر الحسنات ) لمن ينافحون عنهم :
فيبدأ المتعصب برص كل حسنة وكل ما يظنه إنجازاً لشيخه مغرقاً مخالفاته ومجازفاته في ذلك البحر المزعوم من الحسنات ليكون صك غفران يحل من خلاله ارتكاب أبشع صور تمييع وتطويع العقيدة وفق ما يرغبون مدعما ذلك بنصوص قرآنية وأحاديث نبوية لها وقعها القوي على القارئ ليتم الربط اللاشعوري بين النص والصورة النموذجية المرسومة للمنافح عنه فيكتسب قداسة النص وهو مخالف للنص!
( بحر الحسنات ) حيث تطمر كل مخالفة مهما كان عظمها وجنايتها على عقيدة أهل السنة فهذا البحر عندهم طاهر لا ينجسه شئ !!


•الإجـتـزاء والإقـتـطاع : 
من كلام العلماء والنقول عن أئمة السنة فيلجأ المتعصب لبتر كلامهم أو أخذ جزء منه مما يخدم غرضه في الطرح ليوافق هدفه من النقل ويوهم القارئ والمستمع أن الإمام أو العالم الفلاني موافق لرأي شيخه وأن شيخه يسير على منهاجهم وهذه حيلة بغيضة لها انتشار واسع في زماننا هذا !

•التدليس وذكر خاص في عام :
حيث يسرد المتعصب كلام كفتوى أو غيره تكون عامة لا تخصيص فيها لشخص ثم يعقبها بالإشادة والثناء على المتعصب له ليتم الربط أن الفتوى إنما كانت للدفاع أو الثناء على المقصود في طرح المتعصب .

*الشحن والتهييج النفسي :
يلجأ المتعصب في ذروة نشوة ما يظن أنه انتصار له لأسلوب الإثارة والتهييج كترجيع أصداء افتراءات مكذوبة وسرد القصص والحكايات ومنه أيضا أن النقاش لو كان في شخص معين ينافح عنه المتعصب تراه دون سابق مقدمات يبدأ في الحيد عن تلك الشخصية إلى ثانية وثالثة ورابعة ...الخ دون ذكر ما ينكره محاوره عليهم من أخطاء لإظهار سوء خصمه وفساد منهجه وبشاعة ما يعتقده وسلاطة لسانه لإثارة القراء وشحن نفوسهم ضده وضد منهجه فيبدأ بالتهويش والغوغاء لظنه أنه بذلك يعجل بالضربة القاضية التي تخرس لسان محاوره !

• تهويل الدقيق وتهوين الجليل :
أي يفخم الأمور الصغيرة ويحقر الأمور الكبيرة ! فيعكس الموازين وينكس المفاهيم ليفصل للحق ثوباً يوافق ما هو عليه من فساد منهج أومعتقد .
من ذلك أن ترى بعض المتعصبين يردون على الروافض ولكنهم في نفس الوقت يغضون الطرف وينافحون عمن يوادون الروافض ومن يدعون للتقريب بينهم وبين أهل السنة فقط لأن الشيخ المتبوع مدح وزكى رؤوس تلك الجماعة أو تلك وأمطرهم بسيول الأعذار التي تعفيهم من الخطأ الكبير ليصير هين حقير من قشور الدين لا من لبه _ كما يزعمون _ وبالتالي فإن الأتباع يرفعون حينها حاجب الولاء والبراء على عقيدة حب الصحابة وأمهات المؤمنين بل وشرك القبور لأجل عيون الشيخ المزعوم ومن لف لفه ودان برأيه وهلم جرى حتى ينفصموا من عقيدة السنة عروة عروة

ولسان حالهم يقول :

نسينا في ودادكَ كلّ غالي ()() فأنتَ اليوم أغلى ما لدينا

نـُلامُ على محبتكم ويـكفي ()() لنا شـرفاً نـلامُ وما علينا

لأنهم انحرفوا عن دين الله تقليدا لمن يظنون فيه الهدى والعلم وأيم الله هذه قاصمة الظهر وإذا كان للكفر مقلدين فإن ما دونه لأجدر بالتقليد ! .

لا يخدعنّك عن دين الهدى نفرٌ ()() لم يُرزقوا في التماس الحقِّ تأييدا

عـُمي القلوب عروا عن كل قائدةٍ ()() لأنـهم كفروا بالله تقليدا

وبـــعـــد :

فإنك لا تجد متنكب زائغ عن السنة إلا وله حيلٌ يركن إليها للذب عن مذهبه وأساليب ينافح بها عن مسلكه اتخذها صهوة يمتطي عليها إلى مجده الحالم وفي المقابل فإنك تجد الحق قوي بذاته له دفع رباني بالحجة والبرهان بين الخلق غير محتاج لمثل هذه الوسائل وحاشا إذ أن ما ذكر من تلك الأساليب تشف عن سوء أخلاق وسفالة طباع وتشوه فكري خالطه التعصب الممقوت فضرب فيه أطناباً وأعلى فيه أطوادا فصار مادة أركانه وجدرانه وأس أصوله وجذوره .

والحق أحق أن يتبع ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة
و
إذا كان الذي بيني وبين الله عامرٌ ()() فعسى الذي بيني وبين العالمين خرابُ

فاللهم أسألك التقى والهدى والعفاف والغنى وأن تعصمني وإخواني من الهوى والردى وسوء المنقلب والمأوى " يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون * إلا من أتى الله بقلبٍ سليم ".


كتبه : سلطان سالم الكلباني
2008م