الاثنين، 12 مارس 2018

ألَمُ ذِكرى



يا وَيْحَ قلبيَ مِن ذِكرى ومِن صُوَرٍ
                        تَسري بخَفقٍ شديدٍ في شراييني

تُعيدُ لي وَلَعَ الهُجْران في شَغَفٍ
                               بين الفؤادِ لها نَزْفٌ يواريني

بها أُقَلِّبُ بين الصَّدرِ صَفحتَها
                  سِفْرَ [1] الشُّجون ودَمعي لا يُماريني

سَهرتُ ليليَ في تَجديدِ أحرفَها
                            لكنَّ دَمعي تَفَشا في مَضاميني

فسال دَمعيَ بين الحِبرِ في نَسَقٍ
                         تَركتُ حِبري فإنَّ الدّمعَ يَكفيني

غدَت مَحاجر عينِي كالدَّواةِ [2] ، كما
                        صارَ النَّشيج يراعاً خَطَّ مِن دوني

يا أحرفَ الحُزن يا ذِكرى تُؤرِقُني
                        ألمْ تَكُفِّ عن الإمْعانِ في هُوني !؟

في صَفحةٍ مِن شِغافِ القلبِ أحرُفها
                  هَيهاتَ يَستوعبُ القُرطاسُ مَضموني

لقدْ غَدوتُ طَليقَ الخَطوِ في قَفصٍ
                      كالتيهِ [3] لكنْ بهِ حالي كَمَسجونِ !

أسيرُ أخطو على رَمضاءِ طَعنتِها
                       نَحوَ السَّرابِ وظَني عَذْبُ يَرويني!

مَن يَمتَطي صَهوةَ الذّكرى فتوصِلهُ
                                      جديدُ آهٍ وأنَّاتٍ لِمَطعون ِ

تالله أفتأُ [4] عن نِسيانِ طَعنتها
                   مادمتُ في الأرضِ حتى التُّرْبُ يَعلوني

------------------------

شعر / سلطان سالم بن شيخان الكلباني
                              [٢٠٠٢م]
                 الإمارات العربية المتحدة


====================

[1] السِّفْرُ : الكِتابُ .
[2] الدَّواةُ : المِحبرة ؛ وعاءٌ يوضع فيه الحِبر.
[3] التِّيهُ : الصحراء الواسعة .
[4] فَتِأ : فَتِئ ؛ أي مازال؛ مختصة بالجحود؛ وفي القرآن : {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} أي : ما تفتأ ؛ أي : مازلت تتذكر يوسف.



الأحد، 11 مارس 2018

أنا لا أتكلم من الناحية الدينية.... !!

يدور حوارٌ بينك وبين آخر فتسمع عبارة تتردد بتكرار من هذا و ذاك ، والأغرب أن تصدر ممن يُفترض فيهم عمق التفكير احتراماً - على الأقل -  لألقابهم العلمية أو مواقعهم الثقافية.

فيقول قائلهم : (أنا لا أتكلم من الناحية الدينية بل من الناحية... الخ) فيسمي ناحيته تلك إقتصادية أو سياسية أو إعلامية.... الخ .

وغالباً ما يتم الاستعانة بهذه العبارة لتبرير أو شرعنة رأي أو فكرة معينة فتُوَظف لتنحية الحكم الشرعي للإسلام في ذلك الرأي أو هاتيك الفكرة ! استباقاً ومنعاً - في الظن - من ردها ونقدها لتعارضها مع شريعة الله تعالى ودينه وبالتالي تسويغها وتأصيلها تحت عنوان جذاب وشعار منمق تسهيلاً لتقبلها وترويجها وإقناع الغير بها .
وفي الحقيقة إنّ هذه العبارة تنم عن تفكير سطحي وضحالة معرفية في أصول الإسلام ومرامي العقيدة الإسلامية الصحيحة وجهل متجذر في الخطاب والطرح المقنع !
ذلك أن كل فكرة ورأي أياً كان ومن أي أحد كان يجب أن يوضع في ميزان دين الله تعالى وشرعه وحكمه . فإنْ لم يخالفه ويضادهُ فمرحباً به ، أما إذا خالفت تلك الفكرة أو ذلك الرأي دين الله تعالى وشرعه وحُكمه فلا مرحباً به و لا كرامة .
فالإسلام دين يتسم بالشمولية ؛ فكما أنه شامل وصالح لكل زمانٍ ومكانٍ ولكل شعوب الأرض فهو أيضاً شاملٌ في منهجه وهيمنة شِرْعته وعقيدته في كل نواحي الحياة فهو دين حاكمٌ على الدنيا والآخرة لأنه من لدُن الخالق لهذا الإنسان والخلائق والكون أجمع .

فحياة المسلم تسير وفق الصراط المستقيم الذي ارتضاه الله له فيما أنزله من الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم قرآناً وسنة. كما قال تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}  [الأنعام 162].

فالله سبحانه وتعالى الخالق المعبود بحقٍّ وحده ، والذي تُصرف له العبادة ويُتَوجَه له بالنُّسك . وهو سبحانه الذي تنتظم على شريعته الحياة ؛ الحياة بشمولية هذا اللفظ و معناه الحقيقي الذي يستوعب و يتضمن معنى الحياة كلها من قول باللسان أو فعل بالجوارح والأركان أو إيمان واعتقاد بالقلب والجَنان فكما أن العبادة والصلاة لا تكون إلا لله فإن الحياة بكل تفاصيلها لا تكون إلا لله وحده .

فمن يظن أن دينه فقط في الأذكار والصدقات والصلوات و الحج والعمرة  والدعوات...الخ فهو مخطئ فليراجع نفسه ودينه.
ألا ترى في قوله سبحانه : {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق 18]  استغراق وشمول لكل ما يتكلم به ويتلفظه الإنسان خيراً كان أم شراً يكتب له أو عليه ؟
فإذا كان الأمر كذلك فإنه لا مَناص من وضع كل فكرٍ وكل قولٍ و رأي في ميزان دين الله تعالى فإن خالف رُدَّ وصُدَّ وإنْ وافق قُبِل واعتُدَّ .
ولم يكن أمرهُ بعد ذلك بالخِيار بل يلزمه قول الحكيم الجبار : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}  [النساء 36]

فالمؤمن الحق لا يَستَنكفُ عن قبول الحق.
والمسلم الصادق مع الله المُصدِّقُ بما جاء من الله لا يزال يتحرى الهدى ليتبعه ويخشى الهوى فيجتنبه . وقّافٌ على الحق متى تجلى له ، رجّاعٌ للصواب متى استبان له ،  فلا يجدُ في نفسه حرجاً لهدم جدار باطل رأيهِ أمام صروح الحق والحقيقة الشوامخ فهذه أسمى مراتب الطاعة والإيمان بالله وأعلى درجات العبودية له سبحانه
قال تعالى : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}  [الأحزاب65] .

وحَسْب المسلم الفَطِن في الحذر من خطورة الكلمة قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 《إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ》[رواه البخاري6487] .

فما وزن القول (أنا لا أتكلم من الناحية الدينية..... )  في ميزان الإسلام ؟ هل هناك استثناء لقول دون آخر ؟ أو حصانة لإنسان أو فِكر يُخرجهُ عن هذا الحكم الذي عم ظله كل ما يصدر عنا !؟

مهما أدرجنا أفكارنا وآراءنا الباطلة تحت عناوين جذابة أو شعارات رنانة فإنها لن تصير حقاً لمجرد ذلك العنوان أو ذانك الشعار فإن تغيير المُسميات  لا يغير من الحقائق، وتبديل العناوين لا يصرف عن حقيقة المضامين . فاجعل مفتاح ولوج قولك لقلوب الناس رضا الله لا رضا الناس فإذا رضي الله عنك أرضى عنك الناس.



كتبه / سلطان سالم بن شيخان الكلباني
                في ٢٠١٨/٣/١١
           دولة الإمارات العربية المتحدة