ذكر ابنُ الجوزيّ في المنتظم: "بينما الحُجّاجُ يطُوفون بالكعبةِ ويغرفُون الماءَ من بئرِ زمزمٍ، إذ قامَ أعرابيٌّ فحسَرَ عن ثوبه، ثمّ بالَ في البئرِ والنّاسُ ينظُرون! فما كانَ منهم إلا أن انهَالُوا عليه بالضّربِ حتى كادَ أن يموت، فخلّصه حُرّاسُ الحَرَمِ منهم وجاؤوا به إلى أمير مكّة فقال له: قبّحَكَ الله، لِمَ فعلتَ هذا؟! فقال: حتى يعرفني النّاسُ فيقولون هذا الذي بال في بئر زمزم"!
السعي إلى الشهرة والظهور داءٌ العصر العضال ليس لأن في ذلك رغبة جديدة عند البشر لم تكن موجودة من قبل ، فهي كغيرها من النزوات والشهوات والأهواء والرغبات قديمة في النفس البشرية ؛ لكنَّ الجديد والذي طغى في أمرها هو الجُموح لحدِّ الجُنون إلى الشهرة ولفت الأنظار في أي وبأي أمرٍ كان ! فلم يَعُد عند الكثير للدين وازع ولا للأخلاق والحياء والعادات الفاضلة للمجتمع رادع عن ممارسة الأفعال المشينة وخلع جلباب الحياء على عتبات أبواب ما ظنوه طريقاً مُعَبداً للشُّهرة .
وحقيقة حب الظهور أنه رياء محض ، والرياء يكون في أمرٍ خَيِّرٍ ممدوح لكنه فسد بنية الرياء السيئة فكيف بحب الشهرة بأمر سيء مذموم ؟
إنَّ العاقل لَيَحارُ ويَعجبُ مِن أنَّ هذا المَرضَ لمْ يَعُد لهُ حدود تَحُدهُ ولا زواجر تَصُدُّهُ فمجالهُ مفتوحٌ على كل مِصراع وقد هَرَع إليهِ طُلابُهُ من كل أصقاع ! حتى لو كانت الشهرة بالرذيلة والفضيحة وسقط الحديث والهرطقة بل وبالإلحاد والزندقة !.
فقد تَطاول الأمر بفئة شَقيَّة من شُذَّاذ الفِكر والحمقى بأن جعلوا مجال حبهم للظهور والشُّهرة دين الله تعالى ! فعاثوا بين الأنام بالأقاويل المرجفة وصالوا بين الخلق بالفتاوى الشاذة المجرمة حتى وصل بعضهم إلى الطعن في كتاب الله وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم _ بالتحريف والتكذيب وصرف الألفاظ والمعاني الشرعية بخبيث الأساليب .
ولسان حالهم بل مقالهم يصيح :
فإنَّي وإنْ كُنتُ الأخيرَ زمانَهُ
لآتٍ بما لَمْ تستَطِعهُ الأوائلُ !
والأعجب من هذا العجب أنْ تَرى لهذا الضلال العَقَدي والسقوط الأخلاقي والانحدار السلوكي أن ترى لهُ معجبون يشجعون مُعاقريهِ على الاستمراء في غَيِّهم والتَّرقي في دَرَكات حَضيضهم ! .
هؤلاء وإن اشتهروا وظهروا سريعاً فإنَّ زوال شُهرتهم هذه سريع أيضا ؛ حالهم كَحال نارٍ في هَشيمٍ تَرى لها اتقاد وعُلو في أولها ثم ما هي إلا هُنَيَّات حتى تَخبو وتصير رماداً تَذْروهُ الرِّياح .
ولإنْ بَقت شُهرة لبعضهم فإنّما هي الشُّهرة بالذَّم والسُّوء وتلاحق لعائن الأجيال عليهم كما اشتهر ذلك البائل في ماء زمزم قديماً حتى قالت فيه العرب : إذا أردتَ أن تُعرف فَبُلْ في ماء زمزم. فما أكثر البائلون في ماء زمزم في زماننا.
🖋 / سلطان سالم بن شيخان الكلباني
دولة الإمارات العربية المتحدة
٢٠١٩/٧/١٨م
Twitter /@ssss4k